توقّع كاتب تركي أن يحتل مفهوم "السيادة المعرفية" موقعاً مركزياً في سياسات الأمن المستقبلية، في ظل تطور تقنيات علم الأعصاب والقدرة على التحكم بالتفكير البشري، وهي تقنيات لن تكون ذات معنى إلا إذا اقترنت باحترام الكرامة الإنسانية، حسب تعبيره.
وقال الكاتب التركي جهاد إسلام يلماز في مقال نشره موقع (فوكس بلس): إن "عالمنا يشهد تحولاً جذرياً في أنشطة الاستخبارات، إذ لم تعد المعلومات هدفاً بحد ذاتها؛ بل أصبحت وسيلة للسيطرة على العقول في ضوء تصاعد الحرب الإدراكية واستخدام أدوات متطورة مدعومة بالذكاء الاصطناعي".
وأضاف أن "هذه التحولات لا تطرح تحديات تقنية فحسب؛ بل تثير أسئلة أخلاقية عميقة تتعلق بخصوصية العقل البشري، والحرية الفردية، وإرادة اتخاذ القرار، وهي قيم أساسية ستحدد حدود استخدام هذه التكنولوجيا مستقبلاً".
وأشار يلماز إلى أن "النشاط الاستخباراتي كان على مرّ التاريخ البشري أحد أكثر الأدوات الاستراتيجية التي تضمن بقاء الدول"، موضحاً أن "هذا النشاط تطور في العصر الحديث ليكتسب مزيداً من المنهجية ويعتمد على تقنيات جديدة، وقد بات يُصنَّف ضمن فئات مثل: الاستخبارات الإشارية، والبشرية، والصورية، والمصادر المفتوحة".
ويضيف أن "دور الاستخبارات بات يسعى لتشكيل إدراك البشر، وتوجيه مشاعرهم، والتأثير في عمليات اتخاذ القرار، والسيطرة على العقول لكسب النزاعات، مما يجعل علم الأعصاب ركيزة جديدة في الأمن الاستراتيجي" حسب تعبيره.
ويعتبر الكاتب هذه الحرب المعرفية أو الإدراكية الجديدة "أخطر من الحروب التقليدية والسيبرانية؛ إذ تهاجم العقل البشري عبر أدوات مثل الدعاية والمعلومات المضللة، مدعومة بتقنيات علم الأعصاب الأكثر تطوراً".
وتقوم هذه الحرب - وفقاً للكاتب - على قياس العمليات الذهنية بتقنيات حديثة، وعلى التدخل المباشر في عملية استيعاب المعلومات، مضيفاً أن "التجسس العصبي يشكل تهديداً غير مسبوق للبشرية، إذ إن تحليل البيانات الدماغية بدقة عالية قد يؤدي إلى تهديد خصوصية الفكر والتلاعب بالإرادة إذا استُخدم بشكل غير أخلاقي".
كما أوضح الكاتب أنّ "تطور علم الأعصاب جعل منه أداة استراتيجية تتجاوز المجال الطبي، حيث بات من الممكن التنبؤ بالسلوك البشري وتوجيهه باستخدام تقنيات محددة".
وقال إن "هذه التقنيات تتمثل في التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي والتخطيط الكهربائي للدماغ والتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، كما تتيح الواجهات العصبية الحاسوبية التواصل بين الدماغ والآلات، ما قد يُحدث ثورة في تقنيات الاستجواب والاستخبارات".
ويتابع بأن "دمج مثل هذه المعطيات في الإعلام والدعاية يرفع من فاعليتها، إذ تسمح بتحليل المحفزات العاطفية وتوقّع ردود أفعال المجتمع"، منبهاً إلى أن "هذه التطورات تفتح الأبواب أمام تهديدات غير مسبوقة، مثل اختراق بيانات الدماغ، ما يستدعي تطوير بروتوكولات أمنية عصبية تُعنى بحماية خصوصية الدماغ على المستوى الفردي والجماعي".
ويبيّن الكاتب أن "توسع استخدام تقنيات علم الأعصاب في المجال الاستخباراتي يثير تساؤلات أخلاقية وقانونية حول حدود التدخل في أكثر جوانب الإنسان خصوصية، أي عقله"، مشيراً إلى أن "حماية الكرامة الذهنية باتت ضرورة تتطلب تجاوز أنظمة الحماية القانونية التقليدية المعتمدة على السلامة الجسدية".
وحسب الكاتب، تُمثّل البيانات العصبية "شكلاً جديداً من أشكال الخصوصية؛ إذ تعكس ميول الإنسان وقراراته، وهي خصوصية تفتقر حالياً إلى قوانين وآليات واضحة تهدف إلى حمايتها، ما يفتح الباب أمام التجاوزات التي ترتكبها أجهزة الاستخبارات ويخلق ثغرات تهدد الحريات الفردية".
ويضيف أن "القدرة على تتبع الأفكار حتى قبل التعبير عنها تضع حرية التعبير تحت ضغط جديد، وتؤدي إلى رقابة ذاتية تضر بالصحة النفسية للمجتمع والإحساس العام بالحرية".