في مثل هذا اليوم، ينبغي ألّا نمرُّ على التاريخ مرور الكرام، بل نقفُ بإجلالٍ أمام "يوم النصر"، اليوم الذي لم ينتصر فيه العراق على تنظيم "داعش" فحسب، بل انتصرت فيه الحياة على الموت، ووقفت فيه بلاد الرافدين نيابةً عن العالم بأسره، لتذودَ عما تبقى من إنسانيةٍ في هذه الأرض.
مع هذه الذكرى العطرة، لا بدّ من وضع النقاط على الحروف، ومواجهة تلك الأصوات النشاز التي طالما شككت في قدرة "شيعة أهل البيت" عليهم السلام على إدارة الدولة، مرددةً أسطوانة مشروخة تزعم أننا لسنا أهلاً للحكم. لقد جاء "يوم النصر" ليكون الردَّ العمليَّ، فقد أثبتت التجربة الواقعية أن أهل العراق هم وحدهم سادة الميدان وأهلُ الحُكم، وتجلى ذلك بوضوحٍ لا لبس فيه حين التحمت الجماهيرُ بقيادتها، والتفّت القلوبُ حول المرجعية الدينية العليا وحوزتها العلمية المباركة.
لقد كان المشهدُ ملحمياً، ينبض بالوفاء والإخلاص للوطن، فبمجرد أن انطلق نداء المرجعية العليا من النجف الأشرف، هبّ العراقيون زرافاتٍ ووحداناً، مُحررين الأرض شبراً شبراً.
أما المفارقة التي يجب أن يقرأها العالم جيداً، هي أن سواعد "أبناء الجنوب" – أولئك الذين رضعوا ولاء أمير المؤمنين (عليه السلام) – التي كثيراً ما اتهمت باطلاً بالولاء لغير الوطن، وبأنها ليست قادرة على صناعة حكم لهذا البلد، هي التي حررت المدن والمناطق التي كانت تُعدُّ "رحماً ولوداً" وحاضنةً للتنظيمات التكفيرية! تلك المناطق التي صُبّت في قوالب الإرهاب، عادت إلى حضن الوطن بفضل دماء هؤلاء الفتية، وبجهد عراقي خالص، دون منّةٍ من أحد أو فضلٍ لغريب، وهو ما وثّقته المرجعية العليا بدقة في "خطبة النصر" الشهيرة عام 2017، على لسان سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي (حفظه الله).
إن ما حدث في الأنبار وصلاح الدين والموصل ليس مجرد معارك عسكرية، بل هو "صفحة بيضاء" جديدة كُتبت في تاريخ العراق الحديث بدماء أبناء الجنوب. وهذا يجعلنا أمام مسؤولية تاريخية لا تقل خطورة عن القتال، وهي "ضرورة التوثيق". لا ينبغي لهذا الإنجاز العظيم أن يمرّ بشكل سطحي، ولا يجوز أن نترك ذاكرة هذا النصر عرضةً للنسيان أو التشويه.
علينا أن نُحيي هذا اليوم، وأن نحفره في ذاكرة الأجيال القادمة، وفي عقول أطفالنا؛ لأننا نواجه عدواً لا يكلّ ولا يمل.
إن أعداء هذا المنهج العلوي، وأعداء خط المرجعيّة العليا، دأبهم دأبُ أجدادهم، يمارسون التضليل وبث الفتنة، ويحاولون طمس الحقائق بأساليب ورثوها عن "معاوية" ومن سار على نهجه في تزوير التاريخ.
في هذا اليوم المبارك، نبتهل إلى الله العلي القدير أن يحفظ العراق عزيزاً مقتدراً، سيداً لنفسه، وأن يتغمد شهداءنا الأبرار بواسع رحمته، ويمنّ على جرحانا بالشفاء العاجل.
حسين الخشيمي
10 كانون الأول 2025
ذكر يوم النصر